
أصيلة – حلل سياسيون وخبراء مغاربة وأجانب، اليوم الخميس، ضمن فعاليات الموسم الثقافي الدولي بأصيلة، مستقبل النظام العالمي بعد حرب أوكرانيا.
وتناول المتدخلون في ندوة بعنوان “أي نظام عالمي بعد حرب أوكرانيا؟”، انشغالات العالم بأسره حول طبيعة التحولات الكبرى التي ستحدد نوعية وجوهر النظام الدولي الذي تشكل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والمعطيات الميدانية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي تؤثر في هذه التحولات، التي وصفها الكثيرون ب”العميقة والمعقدة”.
كما رصد المتدخلون تحولات النظام العالمي الجديد بعد حرب أوكرانيا الراهنة من خلال أربعة محاور مهمة تتعلق ب”النظام العالمي وتحديات الصراع المسلح في أوروبا”، و “الصراع الروسي الأمريكي .. حرب باردة أو الحرب المعولمة الأولى”، و “النظام العالمي والمجال الأسيوي الإفريقي”، و “تحولات النظام العالمي وفكرة القطبية المتعددة”.
وفي هذا الإطار، أبرز وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في كلمة قدمت للصحافة بالمناسبة، أن عنوان الندوة يدعو الجميع لاستشراف مآلات الأزمة العالمية الحالية عبر تقدير مدى خطورتها وأبعادها المتشعبة، معتبرا أن الوضع يفرض طرح سؤال جوهري حول ماهية وشكل النظام العالمي الذي سيتشكل بعد حرب أوكرانيا.
ورأى السيد وهبي أن الحرب الأوكرانية-الروسية أصبحت واجهة لصراعات دولية ستحدد شكل النظام العالمي الجديد، مشددا على أن العالم بأسره يمر بلحظة تاريخية وغير مسبوقة، وأمام هذه الحرب المعلنة بالوسائل العسكرية والسرية وبالوسائل السياسية، وجد العالم الثالث تحديدا نفسه يحصي خسائره الاقتصادية مع التطلع إلى تاريخ انتهاء هذه الحرب مجهولة المصير والآفاق.
وأكد السيد وهبي أن المغرب، الذي تعتبر أوروبا وأمريكا شريكين استراتيجيين وتاريخيين له، تبنى منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، موقفا واضحا وثابتا يقوم على مبدأين أساسيين: أولهما مبدأ عدم استخدام القوة لتسوية المنازعات بين الدول، وتشجيع جميع المبادرات والإجراءات التي تعزز التسوية السلمية للنزاعات، والثاني يرتكز على احترام السلامة الإقليمية والسيادة والوحدة الوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
من جانبه، أكد أمين عام منتدى أصيلة محمد بن عيسى أن الندوة تخرج إلى العلن وإلى دائرة النقاش الفكري والسياسي، ما ينشغل به الجميع اليوم، من أفكار وتساؤلات بصدد مصير العالم، ومآل توازناته السياسية، بعد أن استقر منذ منتصف القرن الماضي، على قواعدَ تَرْسم ملامح التوازن بين القوى الكبرى، وتضمن الحد الأدنى من السلام العالمي.
وأوضح السيد بنعيسى أن المشاركين في الندوة تستشرف بعض معالم الأفق السياسي والأمني والاقتصادي الذي رسمت ملامحَه تطوراتُ الحرب في أوكرانيا، وانعكاساته على عالمنا العربي بعد أن لامست كلَّ الدول والأنظمة، وأدرك خطورتها المواطنون بمختلف مراتبهم ودرجات وعيِهم.
وأشار الى أن الندوة الراهنة تهدف من بين ما تهدف إليه، إلى تسليط الضوء على ملامح القطبية الجديدة الذي ظهرت للوجود إثر حربِ أوكرانيا، بين الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) وذراعه العسكري (حلف الناتو) من جهة، وروسيا وحلفائها، والأطراف الدولية الداعمة لها من جهة أخرى.
وأضاف أن الوضع أفضى إلى تَشَكُّلِ نزوعٍ ظاهر إلى عدم الانحياز في المواقف إزاء الحرب الأوكرانية لدى العديد من دول الجنوب، وبصفة خاصة البلدان العربية والإفريقية، التي تراوحت مواقفها بين الحياد الحذر أو عدم التورط في إبداء موقف واضح من الوضع القائم.
وأجمع باقي المشاركين على أن الوضع أبان عن مستجدات في المواقف السياسية للدول والأقطاب المعتادة، في مقابل عدم وضوح خريطة التحالفات القادمة على المديين القصير والمتوسط، معتبرين أن الوضع شديد التعقيد، وقد تغلب دول كثيرة مصالحها الخاصة السياسية والأمنية والاقتصادية على المصالح العامة الكونية، وقد يؤدي الوضع الحالي الى ظهور تحالفات لا تشبه التحالفات التي اعتادها العالم في السنين الأخيرة.
ولاحظ المتدخلون أن الكثير من الدول العربية اتخذت موقفا حياديا، وفي الوقت ذاته عبرت عن موقفها من الوضع الراهن بوضوح وبراغماتية قد تساهم في تعزيز موقع الدول المعنية في الخريطة الجيواستراتيجية العالمية، مؤكدين أن الكثير من دول العالم العربي عامة لها من المقومات الاقتصادية والسياسية لأن تصبح من الدول المؤثرة على الصعيد الدولي رغم صعوبة ذلك.
ودعا المشاركون في الندوة الى مساهمة كل الدول في ضمان التأثير الإيجابي للتنظيمات الدولية والإقليمية وإعادة النظر في طريقة اشتغالها وتدخلاتها وفق مقاربات جديدة، معتبرين أن العالم العربي يجب أن يدافع عن مصالحه، وليس من الضروري أن تكون شراكاته وتحالفاته شبيهة بالتحالفات التقليدية.
وفي هذا السياق، قال المتدخلون إن العديد من البلدان العربية والإفريقية، التي لها حضور في الساحة العالمية والمؤسسات الدولية والإقليمية، تدرك تمام الإدراك أن الدول المعنية باتخاذها موقفا من الحرب الحالية لا يعني أو يفرض بالضرورة الاصطفاف مع طرف ضد طرف آخر ، مشددين على أن دول العالم في ظل الوضع الراهن عليها تغليب منطق الحوار وتحصين المكاسب التي حققتها الإنسانية جمعاء على مدى عقود من الزمن .
وافتتحت يوم 17 من أكتوبر المنصرم ، فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الثالث والأربعين والدورة 36 من جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة ، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من طرف مؤسسة منتدى أصيلة.
ويتم تنظيم الموسم، الذي جرت دورته الأولى الصيفية بين 30 يونيو و 24 يوليوز وخصصت للفنون التشكيلية، بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل (قطاع الثقافة)، وجماعة (بلدية) أصيلة، و يستضيف هذا العام فعاليات ثقافية وفنية من دولة الإمارات العربية المتحدة.